الثلاثاء، ٨ سبتمبر ٢٠٠٩

حقوق المرأة وحقوق الرجل

هناك علاقة تناسب عكسي بين حقوق الرجل وحقوق المرأة ، فكلما حصلت المرأة على حق وانتزعته من الرجل كلما فقد الرجل حقا مقابلا له. وكلمة "حق" لا أقصد بها هنا الكلمة التي نقيضها كلمة "باطل" وإنما أعني بكلمة "حق" التي نقيضها "واجب" ، حيث أن الأمر في هذه المسألة نسبي (وبالتالي لا يتناسب مع فكرة الحق المطلق التي لا تحتمل حقا آخر يناقضه). والكلمة المرادفة باللغة الإنجليزية هي Right.

في البداية كانت هناك حقوق مشروعة أتى بها الإسلام في وقت أنكرتها عليها أديان ومجتمعات أخرى ، منها حق الميراث وحق الطلاق (أو الخلع) وحق الملكية وحق اختيار الزوج وحق طلب العلم وحق العمل إذا دعت إليه الحاجة (كإعالة الأبناء الصغار في غياب زوج أو عائل ذكر آخر يجب عليه الإنفاق ، وكذلك في أعمال التطبيب للنساء والتمريض في الحروب وكذلك التعليم والفقه وغيرها).

ثم أتت الحضارة الغربية الحديثة فأعطت للمرأة كل الحقوق التي سبق وأن أعطاها الإسلام إياها ، وأضافت حقوقا أخرى فأصبح الحق في العمل حقا مطلقا (فلا يتوقف مثلا على عدم وجود عائل ذكر أو على وجود ضرورة نسائية) ، كما ساوت القوانين الغربية المرأة بالرجل في الميراث وفي الطلاق مع اقتسام الثروة بين الطرفين وفي عدم السماح بمشاركة امرأة أخرى في زوجها (بتجريم تعدد الزوجات) ، وكذلك في الحقوق السياسية كالانتخاب والترشح والوصول إلى أعلى المناصب في الدولة (رئاسة الدولة والحكومة والبرلمان) ، وكذلك حقها في تملك جسدها (بمنحه لمن تشاء وقتما تشاء كيفما تشاء) والذي يشمل أيضا (للأسف) الحق المطلق في الإجهاض.

ولكن المرأة لم تكتف أو تقنع بكل تلك الحقوق وما زالت تطالب بالمزيد بل وبإلغاء كل الفروق بين المرأة والرجل. في الحقيقة القوانين الغربية (وكذلك مثيلاتها في الدول الإسلامية المتغربة تماما كتونس وتركيا) لا تفرق في أي شيئ بين المرأة والرجل ، ولكن المطالبات بحقوق المرأة وبالمساواة الكاملة (feminists) ما زلن يدعين قصور تلك القوانين ليحصلن على معاملة تفضيلية. وبالفعل فقد حصلن على تلك المعاملة التفضيلية في كثير من الأمور ولكن القائمة تبدو لا نهائية وما زلن يطالبن بالمزيد على حساب الرجل ، وهنا مربط الفرس أو بيت القصيد كما يقولون.

مسالة الصراع أو التنافس بين الرجل والمرأة هي مسألة قديمة قدم البشر أنفسهم ، ولقد قسم علماء الاجتماع المجتمعات إلى نوعين: مجتمعات أبوية (Patriarchal) وأخرى أموية (Matriarchal). وبالطبع كما تعلمون فالدول الإسلامية متهمة بأنها من النوع الأول (وربما يكون ذلك صحيحا إلى حد ما) أما الغرب فيزعم أنه ليس من هذا النوع ولا ذاك. في الحقيقة أستطيع أن أزعم أنه من شبه المستحيل أن يكون هناك مجتمع على الحياد ، وبالتالي أزعم أن المجتمعات الغربية تنتمي بدرجة أو بأخرى إلى النوع الثاني ، وقد حصل هذا بالتدريج وتسارع بشكل كبير منذ الستينات وحتى يومنا هذا. من الطريف في الأمر أن هذا الصراع أو التنافس موجود حتى على مستوى الجينات (بين الكروموزوم المحدد للذكورة Y والآخر المحدد للأنوثة X) ، وهنا وللغرابة فكروموزوم Y هو الأصغر مقارنة بكروموزوم X ، فلا يحتوي إلا على عدد قليل من الجينات اللازمة للبقاء في صراعه مع غريمه الكبير الحجم X (هنا الخفة مقابل القوة). لا أريد أن أسترسل في هذا الموضوع (والذي قرأته حديثا في كتاب شيق ومبسط عن الجينوم Genome والمقسم إلى 23 فصلا بعدد الكروموزومات البشرية) ، وإنما عرضته للتدليل على وجهة نظري في أن مسألة الصراع أو التنافس بين الجنسين هي مسألة طبيعية (أو فطرية).

في زماننا هذا هناك صراع ثقافي شرس بين عالمين (المهاجم دائما هو الغرب وحضارته والمدافع دائما هو الإسلام وأهله) ، ومسألة المرأة هي مسألة رئيسية في ذلك الصراع. وحيث أننا الأضعف (سياسيا وثقافيا وعلميا وعسكريا) فنحن دائما في مرحلة تنازلات وتوفيق أوضاع حتى يرضى عنا الغرب (وهل يرضى؟).

عموما ليس قصدي هنا الدفاع عن عالمنا في مقابل عالمهم ، ولكن ما أقصده هنا أن الرجل يفقد حقوقه في كلا العالمين (إن صح التقسيم). ففي كليهما تكتسب المرأة كل يوم حقوقا على حساب الرجل (أحيانا لرفع ظلم عن النساء وأخرى لمجرد سلب حقوق الرجال). وبالمناسبة حتى لا يساء فهمي فأنا لست ضد المرأة وبالتالي ضد ظلمها. ما أود قوله هنا أن المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة مستحيلة وأن محاولة فرضها قسرا (كما حدث بالفعل في الغرب وكما يحاول آخرون فعله بالتدريج في عالمنا العربي أو الإسلامي) لن يؤدي إلى خير على المدى البعيد.

هناك فروق طبيعية بين الرجل والمرأة لا يمكن إنكارها منها أن الرجل يجذبه الجمال الظاهري بينما المرأة يهمها الكلام الرقيق (أو الرومانسية بالتعبير الحديث). ومنها أن الكثير من الرجال يستطيع التوفيق بين أكثر من امرأة واحدة في حياته (فمنذ القدم في العالم كله – باستثناء العالم المسيحي – كان هناك الزوجتان فأكثر ، أو الزوجة والخليلة ، أو الزوجة والجارية أو الجواري ، أو مزيج من هذا وذاك ، وكذلك هناك ومازال ما يسمى بزئر النساء ، وهناك دور البغاء – والتي يصفها البعض بأنها أقدم مهنة في التاريخ – للتسرية في العادة عن الرجال المتزوجين). وعندما يحب الرجل امرأة غير زوجته فليس لأنه يكرهها أو يريد التخلص منها (وإن صح ذلك في بعض الحالات) بل لأنه يحب شيئا غير الذي في زوجته (قد تكون الأخرى أكثر جمالا/جاذبية أو طاعة/خضوعا أو أقل ندية أو لمجرد الجنس).

الحاصل في الغرب الذي جرم تعدد الزوجات (وراثة عن المسيحية) فإن أمام الرجل إن كان يميل إلى التعدد لأحد الأسباب السابقة أو لأنه لا يحب زوجته ولكن لا يستطيع ترك أولاده وربما يصعب عليه تقسيم ثروته (وحتى معاش تقاعده) معها أحد الحلول (أو الأوضاع) الآتية:
- اتخاذ خليلة أو عشيقة للتسرية أو للتنفيس أو للصحبة (أو لكل ذلك أو بعضه)
- الرضا بالوضع الحالي وكبت الرغبات المدفونة (جنسية أوعاطفية أو نفسية) ومحاولة التعويض عن ذلك النقص بممارسة هواية أو رياضة أو التركيز في العمل أو مع الأبناء – وفي ذلك قد ينجح البعض ويفشل البعض الآخر ، وفي الحالة الأخيرة قد يكون الإنسان عرضة لبعض الأمراض النفسية وأكثرها شيوعا مرض الاكتئاب
- أما الحل الأخير فهو اللجوء إلى النساء البغايا أو دور اللهو أو الجنس الاعتباري على الإنترنت (وهي تجارة أرباحها القذرة بالبلايين) وذلك للتنفيس المؤقت وما يصاحب ذلك من أمراض جنسية أو إدمان للخمور أوالمخدرات أو القمار أو حتى للبورنوجرافيا.

الحل البسيط والسهل لهذه المعضلة الذكورية (الفطرية) هو السماح للرجل بالتعدد المشروع (القانوني) من غير أن يفقد الرجل أولاده أو ماله أو ربما أيضا امرأته التي يحبها. لكن أدعياء المساواة والتحرر (feminists) وكذلك رجال الكهنوت المسيحي وحلفاءهم من المسيحيين المتزمتين سيرفضون هذا الحل إما لسبب مساواتي أو لسبب ديني (وإن اختلف الطرفان في قضايا أخرى كالإجهاض والمثلية الجنسية).

أرجو ألا تنزلق مجتمعاتنا لهذه الهاوية الغربية والتي ستؤدي في النهاية لنفس النتيجة بل وأسوأ (لأن الثقافة المزدوجة أو المستوردة عيوبها أخطر بكثير من عيوب الثقافة الأصيلة). فلنعطي المرأة حقها بمعنى رفع الظلم عنها سواء وقع من أب أو أخ أو زوج أو من أي كان (بسن القوانين العادلة وتطبيقها الحازم على المخالفين وتسريع إجراءات التقاضي) ، ولكن ليس بقهر الرجل وسلبه حقه ومساواتها الكاملة به حتى عدنا لا نعلم من الرجل ومن المرأة.

بالطبع لم أتطرق في هذه المقالة سوى إلى نقطة واحدة وهي تعدد الزوجات وهذه المرة تكلمت في ميزة لدينا في ديننا وثقافتنا العربية الإسلامية (من وجهة نظري الذكورية بالطبع – والتي ربما تتفق معي فيها القليل من النساء). ولكن على الجانب الآخر هناك لدينا ممارسات هي أقرب للعادات والتقاليد منها للإسلام (كقتل الشرف مثلا) وربما أتحدث عنها في مقال أخر وفي وقت آخر.

إبراهيم