الأحد، ٥ أغسطس ٢٠١٢

خفف من ضغوطاتك وتحكم في شيء ما (بدلا من إنسان ما)

من طبيعة الإنسان أنه يريد التحكم في شيء أو السيطرة عليه حتى يحس بقدرته على الفعل. فبعض الناس إذا لم يفرغوا هذه الرغبة بطريقة متحضرة أو أخلاقية ، أو كانت هذه الرغبة زائدة لديهم عن المعتاد ، أو كانوا عرضة لتحكم سابق في حياتهم فإنهم يمارسون التسلط على الآخرين بالإهانة أو الضرب أو التعذيب وصولا - في الحدود القصوى - إلى القتل والاغتصاب. لهذا لم يكن غريبا أن تقوم إحدى المنظمات التطوعية في إحدى الدول الأوروبية بمنح الفرصة للناس بالتكسير والتدمير على نماذج أعدت مسبقا لهذا الغرض - تنفيسا عما بداخلهم من طاقات سلبية ، ولقد أحس المشاركون بعد هذه التجربة بسعادة بالغة وراحة نفسية كبيرة. كما قامت قريبا إحدى شركات الاتصالات بتخصيص أحد الأرقام التي يمكن للعملاء الغاضبين الاتصال بها وصب جام غضبهم على الموظفين المخصصين لاستقبال هذا النوع الغريب من المكالمات.

نعود لأمثلة تطبيقية من واقعنا اليومي ولنستثني من ذلك الحالات القصوى ولنتحدث فقط عما قد يفعله بعضنا أو ما نشاهده من عامة الناس:

فهناك الزوج المتسلط والأب المتسلط والزوجة المتسلطة والأم المتسلطة (ويمكن اجتماع بعض الصفات أو انتفاؤها في شخص واحد في صور متعددة كأب متسلط - زوج حنون ، أو زوجة حنونة - أم متسلطة ، أو أب متسلط - زوج متسلط ، وهكذا). كذلك هناك رئيس العمل المتسلط الذي يكتفي بإلقاء الأوامر والتقريع في حالة الخطأ أو حتى الخلاف في الرأي ، ويمكن الصعود بهذا في الدرجات الوظيفية وصولا إلى رئيس الدولة الدكتاتور. كذلك المدرس العنيف الذي يستمتع بتعذيب الأطفال ، أو أستاذ الجامعة الذي لا يقبل خلافا في الرأي ويعاقب عقوبات قاسية تصل أحيانا إلى تضييع مستقبل طالب مسكين لأنه تصرف تصرفا صغيرا لم يرق إلى هذا الدكتور المغرور أو المعقد في بعض الأحيان.

هناك قاعدة بسيطة ممكن أن نسميها التنفيس وهي ببساطة: عندما يضغط عليك من هو أقوى منك (بحكم السلطة أو الوضع العائلي/الاجتماعي) تقوم أنت بالتنفيس بأن تضغط على (أو تقهر) من هو دونك في السلم الوظيفي أو الاجتماعي (تماما مثل عمل المكابس المتتابعة - راجع الفيزياء). فالأب مثلا يضغط على الأم فتضغط على الأولاد كما يطغى الأخ الأكبر على إخوته الأصغر أو الأولاد على البنات (في بعض المجتمعات). ولو ذهبنا - في هذه الحالة - إلى رأس السلم العائلي نجد أن الأب قد يعاني ضغوطا في العمل. كما يعاني الجميع - بدرجات متفاوتة - من ضغوط اجتماعية/اقتصادية/سياسية/دينية. أما في قاع السلم الأسري فقد يكون الطفل ضحية لوالديه أو أحدهما وكذلك بعض المدرسين وزملائه الأقوياء أو الفتوات (Bullies) وربما إخوته الأكبر أو حتى الأصغر (عندما يتم تدليلهم على حسابه ـ بالتغاضي المستمر عن أخطاء الأصغر وإلقاء اللوم الدائم على الأكبر). وفي حالات ليست بالقليلة يكون الأوسط هو الحلقة الأضعف في العائلة حيث يعاني السلطة من الأبوين والأخ الأكبر والتمييز لحساب الأصغر (وربما الأكبر أيضا) ، ولو كانت بنتا فقد يكون الوضع أسوأ - حيث تفضل بعض المجتمعات الذكر على الأنثى وتضع الكثير من القيود عليها.

بعد هذه المقدمة والأمثلة التي أسلفتها لنبحث عن حل أو حلول للتخلص من هذه الضغوط أو الأعباء أو الأشكال المتنوعة من القهر والكبت:

حتى تنفس عما تعرضت له من ضغوط (كي لا تصاب بالانفجار النفسي أو العقلي أو الصحي) فلتبحث مثلا عن آلة تتحكم بها. من أمثال ذلك قيادة السيارة أو الدراجة الهوائية أو البخارية. فإحساس الإنسان بالتحكم في شيء ما يعطيه إحساسا بالقدرة ، وعندها سيؤثر ذلك بالإيجاب على علاقته بالآخرين ولا يسعى للسيطرة عليهم كما أنه لا يبالغ في الإحساس بالقهر عندما يمارس الضغط عليه من الآخرين. كذلك في الألعاب التي تأخذ كثيرا من المجهود والطاقة كالجري ورفع الأثقال وكرة القدم والسباحة واليوجا بل والرياضة بصفة عامة (الشيء المتحكم فيه هنا هو الطريق أو الملعب أو الماء أو الحلبة أو الثقل أو الكرة بل وجسمك نفسه). كذلك الفنون من موسيقى (وهي صورة للتحكم الدقيق في آلة) وغناء (التحكم في الصوت) وغيرها من رسم ونحت ورقص وتصوير فوتوغرافي وغيرها (تحكم لطيف في أشياء أو أدوات أو آلات أو الجسم). أحيانا يكون الإبداع في العمل أو الدراسة هو وسيلة لتفريغ الطاقات السلبية وإبراز الإيجابية منها ، وعند آخرين لا يكفي هذا بل يحتاج الفرد إلى هواية بجانب العمل أو الدراسة أو العائلة.

الخلاصة أن عليك أن تتخلص من ضغوطاتك وعقدك (إن وجدت) وابحث عن هواية تمارسها بجانب عملك أو دراستك. ولا مانع أن تجرب عدة هوايات مختلفة حتى تستقر على شيء منها تستريح إليه ويملك عليك عقلك وقلبك ، ومن يعلم ربما تحول هذا الشيء إلى عمل فتصبح إحدى هوايتك (أو بعض منها) هي حرفتك أيضا - فحينئذ طوبى لك.

على المستوى الشخصي أبحث دائما عن هوايات جديدة وأمارس أخرى قديمة وأترك ثالثة لم يعد لها مجال لسبب أو لآخر. أتمنى أن تحاولوا نفس الشيء في حياتكم بل ومع أولادكم وبناتكم ومن تحبون بأن تشجعوهم على ذلك.


(إبراهيم المهندس) جميع الحقوق محفوظة للمؤلف - 2012


ملحوظة: أرجوا أن تكون التعليقات مرتبطة بصلب الموضوع أو أن تثري النقاش بملاحظات عملية أو اقتراحات أو إضافات أو نقد بناء. وألا يكون التعليق طويلا حتى يصبح في حد ذاته مقالا آخر :) عبر عن إعجابك أو عدمه بالموضوع like/dislike (مع تعليقك إن شئت). كما أرجو ألا يتحول النقاش إلى متاهات في الدين - كما حدث في مقالة سابقة ؛ فالمقال عام وموجه إلى أي شخص يمكن أن يستفيد منه.