الأربعاء، ١٣ أكتوبر ٢٠١٠

عالم يخلو من التسامح

لقد أصبح كوكبنا الأرضي مليئا بالأحقاد والصراعات بين البشر. لم يعد هناك التسامح الذي دأبت عليه الأعراق والأديان والمذاهب والذي حافظ على السلام الاجتماعي بين مكونات الشعوب والبلدان. أصبح العقلاء الذين يدعون إلى السلم وعدم اللعب بالنار المحرقة غير مرغوب فيهم ، بينما اعتلى السفلة هرم السلطات السياسية والدينية/المذهبية. أصبح همُّ قادة الدول وأصحاب النفوذ الاستئثار بالسلطان والمال ، وتركوا الحبل على الغارب لدعاة الفتنة والتحريض والجهلاء.

للأسف انتقل الدين من كونه عنصرا مهما في تثبيت السلام النفسي للأفراد ودعوة للحب والتسامح إلى أداة للكراهية والهدم. فكل طائفة ومذهب يقوم قادتها ودعاتها باستحضار المظلومية التاريخية (بنظرة أحادية مبتورة وشائهة) لترسيخ نفوذهم بين الدهماء من أتباعهم الذين يسيطر عليه الجهل وفي أحيان كثيرة الأوضاع الاقتصادية الصعبة. في ظل انهيار الدور الاجتماعي للدول مع تغول النظام الرأسمالي الاحتكاري الجشع أصبح الأفراد يلجأون للمؤسسات الدينية لحل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية وللبحث عن الانتماء المفقود. أصبح فكر القبيلة والجماعة والطائفة هو المسيطر فالمصري أصبح قبطيا أو مسلما فقط والعراقي سنيا أو شيعيا أو كرديا فقط وفي الغرب أصبح الناس بيضا مسيحيين ويهودا في مقابل المسلمين الأغراب الملونين. العجيب في الأمر أن ليس كل من يزعم انتماءه لمذهب أو دين أو طائفة مؤمنا أو حتى متدينا ، ولكنها روح القبيلة: إمّا معنا أو علينا.

لم يعد أحد يبحث عن التاريخ والعيش المشترك الذي حافظ على الشعوب والأمم لمئات بل وآلاف السنين. صحيح أن الضحية الرئيسية لهذا التخندق الطائفي/المذهبي هي أقطارنا العربية والإسلامية ، لكن أيضا الغرب والذي أرست قيمه العلمانية لمبادئ التسامح والمساواة عادت إليه الروح الصليبية مرة أخرى. مع انهيار الأيديولوجيات الكبرى كالشيوعية والتي كان تأثيرها ممتدا في داخل الشعوب الشرقية والغربية على السواء لم يعد هناك انتماء عالمي يجمع الناس بمختلف أطيافهم وألوانهم يجمع الأحرار للتعاطف والتأييد مع قضايا التحرر ونبذ الحروب وكشف المذاهب السياسية العنصرية على حقيقتها وفي مقدمتها الصهيونية - التي عادت إلى التلون وركوب موجة العداء للإسلام والتلاعب بالعواطف لتغطية وجهها العنصري القبيح.

صحيح أنه مازال هناك أناس من بقايا اليسار في الغرب وأمريكا اللاتينية ممن يناهضون العولمة الاقتصادية الجشعة ويضادون الحروب الفاشية والعنصرية ، ولقد رأيناهم نجحوا في حشد الناس في مظاهرات مليونية ضد حرب العراق الجائرة في بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا وغيرها من دول الغرب ، إلا أنه صحيح أيضا أن الفاشية واليمينية عادت بقوة إلى الكثير من تلك الدول الغربية (أقلية لكنها في تزايد مضطرد). العامل الاقتصادي في رأيي له دور كبير في ازدياد شعبية الأفكار العنصرية بين الناس في الغرب والتمذهب الطائفي/العرقي في الشرق. مع ازدياد البطالة وعدم الأمان الاقتصادي في بلد مثل أمريكا وفي غيرها من دول أوروبا يتردد الناس كثيرا على الكنائس ويصغون إلى الساسة المتدينين أو القوميين والذين هم في الغالب إما مجموعة من المنافقين أو الجهلة المتعصبين.

في تلك الأجواء ينتشر خطاب الكراهية والتعصب والتعميم الكاذب (كالادعاء بأن الإسلام والإرهاب سواء ، أو أن المسلمين طابور خامس). رجال الدين المسيحي هنا بالمناسبة لهم دور محوري في نشر التعصب والكراهية ، وهذا ليس جديدا بالمناسبة. انظر إلى خطابات وتصريحات قادة الكنائس الإنجيلية في أمريكا الذين لا يكفون عن البذاءات والتطاول على الإسلام ، والمستمع هنا هو شعب جاهل في أغلبه بالعالم الخارجي ، ولا يعلم شيئا عن مباديء الإسلام أو تاريخه أو حضارات شعوبه (فهم لا يعلمون أي شيئ إلا عن أمريكا جغرافيا وتاريخيا). انظر أيضا إلى بابا الفاتيكان والذي لا يكف عن الغمز واللمز في الإسلام ثم يعود إلى التلاعب بالألفاظ من غير تراجع أو اعتذار (هذا الأسلوب يمارسه أيضا رجال الكنيسة في مصر من البابا رأسا إلى أصغر راهب). في هذه الأجواء المسممة ينجح الكثير من السياسيين الجهلة (والذين لا يقدمون للناس أي حلول اقتصادية أو اجتماعية فهم مضمحلون أساسا فكريا وعلميا). بالمناسبة أستحضر قريبا نجاح إحدى مرشحات حفلات الشاي (وهي حركة جديدة من غلاة الجمهوريين) في الوصول إلى مجلس الشيوخ (أصبحت سيناتور) والتي ادعت أنها تخرجت بالفعل من أحد المعاهد (ليست حتى كلية) وهي لما تحصل بعد على الشهادة بعد سنوات طوال! في أمريكا باراك أوباما الرجل المثقف الحاصل على الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد يتم الهجوم عليه ليل نهار من هؤلاء الجهلة ، أما الجاهل (الفاشل أيضا أكاديميا ومهنيا) جورج بوش فكانت شعبيته في السماء حتى ما قبل آخر سنة أو اثنين من حكمه عندما كثر قتلى الجنود الأمريكيين في العراق وانهار الاقتصاد (وبالتالي خسر الكثيرون وظائفهم).

أما في منطقتنا العربية والإسلامية فلقد انعدم التسامح أيضا. في مصر الأقلية المسيحية (القبطية) يزعمون أنهم السكان الأصليون ونحن البدو العرب الغزاة (وهذا الكلام ليس جديدا ، فمنذ كنت طفلا أسمع بتردده بين الأقباط في كنائسهم). كذلك موضوع السلاح في الأديرة ليس جديدا أيضا (فالحادثة التي ذكرها دكتور العوا حقيقية وتؤكد ما سمعناه من زمن بعيد ، بل ورأيناه من الرهبان عندما أطلقو النار وقتلو أحد المسلمين في حادثة اعتداء على أراضي الدولة في الصعيد - المنيا). هم في الحقيقة ينتظرون حربا أهلية أو يستعدون لها عندما تنقلب مصر إلى الفوضى كي يستردوا البلد (حسب زعمهم) ، ويستقوون بأمريكا والغرب بل وإسرائيل (في إحدى مظاهراتهم الطائفية دعو شارون لغزو مصر). موضوع خطف المعتنقات للإسلام (خصوصا زوجات القساوسة) وحوادث القتل المتكررة لهن ولأزواجهن المسلمين والاعتداء على أراضي الدولة والتطاول على الدين الإسلامي وقصة الضيوف الجديدة/القديمة ، كلها ما هي إلا جس نبض للدولة الرخوة المنبطحة خارجيا أمام الأعداء وداخليا أمامهم ، واختبار للأغلبية المسلمة أيضا انتظارا لفتنة أو معركة ستحرقهم هم بالأساس قبل أن تحرق الوطن أو مسلميه. لكن للغباء مذاهب!

هناك كذلك الاصطفاف المذهبي بين السنة والشيعة والذي راح ضحيته مئات الآلاف من الأبرياء في العراق غير ملايين الجرحى واللاجئين والمشردين. الكل هنا يستحضر نسخته الخاصة من التاريخ (وهي كما قلت أحادية ومشوهة) لزرع العداء والكراهية بين أبناء البلد الواحد. أصبح هنا الشيوعيون واليساريون والقوميون والبعثيون والعلمانيون والإسلاميون إما سنة أو شيعة أو كردا (لم يعد أحد يهتم هنا بكلمة عربي إلا لضرورة تفريقه عن الكردي أو التركماني مثلا). عادت المصطلحات المتخشبة من أعماق الكتب فأصبح الشيعة روافضا والسنة نواصبا وأصبح هناك ما يسمى بالبيت الشيعي والوقف السني. بلغ العبث من الوقاحة درجة أن يدعي البعض أن العراق مكوَّن حديث أنشأه الاستعمار البريطاني (فأين كانت حضارة بلاد الرافدين وخلافة العباسيين إذن؟). كذلك التوتر في لبنان وباكستان وغيرها من الدول مرجعه هذا التقسيم اللعين.

البعض الآن ممن يرفعون شعار الإسلام (خصوصا القاعدة وتوابعها) لا يتورعون عن قتل الأبرياء وأنفسهم معها لأتفه الأسباب. فهم لا يقتلون الشيعة فقط ولكن الصوفيين أيضا (منذ حوالي الشهر في باكستان فجر أحدهم نفسه في تجمع احتفالي داخل أحد المساجد ، وقتل أناس وهم يتوضأون!). لا أفهم ما هي الفتاوى التي تبيح قتل الناس بهذه الطريقة البشعة ، ومن هم أولئك الأغبياء الذين يصدقون أنهم سيدخلون الجنة بتلك الأعمال الوحشية التي لا تفرق بين طفل أو شيخ أو امرأة. لكن للغباء مذاهب!

في هذه الأجواء المتوترة في العالم أرجوا ألا يكون هذا تمهيدا لحرب عالمية من الصراعات المتوازية والتي ستأكل الأخضر واليابس ، فالغرب مهما بلغ من قوة عسكرية واقتصادية لا يستطيع إشعال الفتن والحروب من غير أن تمسسه نارها. أتمنى أن ينضج البشر ويستمعوا لصوت العقلاء والحكماء ولا ينقادوا للزعامات الغوغائية (المريضة نفسيا في أغلب الأحيان) دينية كانت أو مذهبية أو قومية.

(إبراهيم)